من إستونيا إلى الخليج.. فرصٌ واعدة لشراكات استراتيجية في الصحة الرقمية
دبي، الإمارات العربية المتحدة, 26 ديسمبر / كانون أول 2024 /PRNewswire/ -- على مدار السنوات العشرين الماضية، قدمت إستونيا للعالم نموذجاً متميّزاً يرسم ملامح مستقبل الرعاية الصحية. وبرؤية استشرافية، نجحت البلاد في إحداث تحول جذري في نظامها الصحي، لتتصدر المشهد العالمي في مجال الابتكار، واضعةً الإنسان في مقدمة أولوياتها. طوّرت إستونيا نظاماً صحياً رقمياً متكاملاً يتمحور حول المريض، محقّقةً مستويات غير مسبوقة من الكفاءة والشفافية والأمان، ما أسهم في تبسيط عملية الرعاية الصحية، وتمكين المواطنين من التحكم بصحتهم بطرق كانت تبدو مستحيلة في السابق.
أطلقت الحكومة الإستونية في عام 2008 نظام المعلومات الصحية الوطني الذي أصبح اليوم محوراً أساسياً يربط معظم مقدمي الرعاية الصحية في البلاد، ويتيح لهم تبادل البيانات بسلاسة، ما حقق فوائد كبيرة للمرضى ومقدمي الخدمات الصحية على حد سواء. يضم هذا النظام الرقمي أكثر من 40 مليون سجل صحي، ويُسهّل أكثر من 2.3 مليون تفاعل شهرياً بين الأطباء والمرضى، ما يعكس كفاءته وسهولة استخدامه. ويعد هذا النموذج الرقمي المتكامل إطار عمل واعداً يمكن تطبيقه في دول الخليج، خاصة مع تنامي الحاجة إلى خدمات صحية فعّالة وسهلة الاستخدام في هذه الدول.
99% من الوصفات الطبية إلكترونية
حققت إستونيا تحولاً رقمياً شبه كامل للسجلات الصحية الوطنية، مع إصدار 99% من الوصفات الطبية إلكترونياً، متيحةً للمرضى الوصول إلى بياناتهم الصحية في أي وقت عبر منصة إلكترونية آمنة. ساعد ذلك المرضى في مراجعة زياراتهم السابقة، والتحقق من وصفاتهم الطبية، ومعرفة الجهات التي اطلعت على سجلاتهم الصحية. وقد أسهم هذا التحوّل الرقمي في تعزيز الشفافية بشكل كبير، وتمكين المرضى من اتخاذ قرارات مدروسة بشأن صحتهم، وفي نهاية المطاف، أفضى إلى توطيد الثقة المتبادلة بينهم وبين مقدمي الرعاية الصحية.
ويشكّل نموذج الصحة الرقمية الذي أثبت فاعليته في إستونياً إطاراً عملياً مبتكراً يمكن تطبيقه؛ لتطوير الرعاية الصحية الرقمية في دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية اللتين تشهدان نمواً مطّرداً في متطلبات الرعاية الصحية، وينصب جلّ الاهتمام فيهما على الخدمات التي تتمحور حول المريض.
وتُعَدُّ خدمة "الوصفة الإلكترونية" من أبرز المزايا التي يقدّمها النظام الصحي في إستونيا، إذ يتم صرف أكثر من 99% من الأدوية إلكترونياً. ويستخدم المرضى بطاقة الهوية لاستلام أدويتهم مباشرة من الصيدليات، ما يقلل من الأعمال الورقية والأعباء الإدارية، فضلاً عن ضمان إدارة الوصفات بشكل آمن وفعّال.
وفي ظل النمو السريع لمنظومة الرعاية في منطقة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، يمكن أن يسهم تطبيق الوصفات الرقمية في تبسيط العمليات، وتقليل تكاليف الرعاية الصحية بشكل ملموس. يُضاف إلى ذلك تقنية البلوك تشين التي تعتمدها إستونيا لضمان أمن بيانات المرضى وخصوصيتها، والتي تسهم في حماية المعلومات الصحية من التهديدات الداخلية والخارجية المحتملة. ومن شأن هذا الهج تلبية المعايير الصارمة التي تضعها دول الخليج في مجال حماية البيانات بوصفه يمثّل أولوية رئيسية هناك.
2% توفير في الناتج المحلي
لا تقتصر الحلول الصحية المبتكرة لإستونيا على الرعاية التقليدية، بل تشمل أيضاً الطب الشخصي، وهو توجه بالغ الأهمية في الدول التي تتميز بتنوع احتياجاتها الصحية. فقد جمع مركز الجينوم الإستوني بيانات جينية لأكثر من 200 ألف شخص، ودمجها في نظام المعلومات الصحية؛ لإتاحة استخدامها في التشخيص والعلاج الشخصي. يساعد هذا النهج على تحديد المخاطر الصحية الخاصة بكل شخص، واتخاذ تدابير وقائية تتوافق مع ملفه الجيني.
الفرصة متاحة لدول منطقة الخليج للاستفادة من هذا التطور الكبير الذي حققته إستونيا في مجال الفحص الجيني والطب الشخصي من أجل تطوير خدمات صحية تركز على الوقاية والاستباقية؛ فالجمع بين الطب الشخصي والبنية التحتية الرقمية للرعاية الصحية من شأنه إضفاء تحسينات ملموسة على نتائج العلاج، وتخفيض التكاليف الصحية على المدى الطويل في المنطقة.
ومثلما انعكس التحوُّل الرقمي المتكامل إيجابياً على كفاءة الخدمات الصحية في إستونيا، فقد أثمر أيضاً عن فوائد اقتصادية ملحوظة نجمت عن وفرٍ كبير في الوقت والموارد، حيث وفّرت الدولة ما يقارب 2% من الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي عبر استخدام التواقيع الرقمية. يقدّم هذا النموذج إلى دول مجلس التعاون الطامحة لتحسين كفاءة نفقاتها وتعزيز جودة خدماتها في المجال الصحي دليلاً واقعياً على الفوائد المالية والعملية التي يمكن أن تحققها الحلول الصحية الرقمية المتكاملة.
ومع توثيق الروابط بين إستونيا ودول الخليج العربية، تبرز فرصٌ واعدة لشراكات استراتيجية في مجال الصحة الرقمية؛ فقد أصبحت تجربة إستونيا في بناء منظومة صحية رقمية مبتكرة وآمنة تركز على احتياجات المرضى نموذجاً ملهماً لمقدمي الرعاية الصحية. وعبر تكييف هذه التجربة وتطبيقها، تستطيع دول المنطقة الارتقاء بمستوى الرعاية الصحية إلى آفاق جديدة، والمضي قُدماً نحو مستقبل لا تتوقف فيه إمكانيات الرعاية الصحية عند حد.
Photo: https://mma.prnewswire.com/media/2587364/Trade_Estonia.jpg
شارك هذا المقال