الرعاية الصحيّة الرقميّة في إستونيا.. نموذج ثوريّ مُلهِم لقطاع الصحّة في منطقة الخليج
دبي, إ, 3 ديسمبر / كانون أول 2024 /PRNewswire/ --
هل يُمكننا الحصول على رعاية صحية مصمَّمة خصِّيصاً لتلبية احتياجات كلّ فرد منّا بمنتهى اليُسر والسَّلاسة؟ تصوَّر أنك عبر هوية رقمية بسيطة تستطيع الوصول بسهولة وأمان إلى بياناتك الصحية، وتتمكن من إدارة هذه البيانات بشكل كامل. لقد ترجمت إستونيا هذا التصوُّر إلى واقع ملموس من خلال نظامها الصحي الرقمي المبتكَر الذي يعيد تشكيل مفهوم الرعاية الصحية استناداً إلى الكفاءة والشفافية والتركيز على المريض. ومع سعي دول الخليج العربية للاستفادة من التجارب العالمية الرائدة في مجال الرعاية الصحية وتقديم الأفضل بينها، يقدِّم النموذج الرقمي الإستوني رؤية مستقبلية لنظام صحي أكثر ترابطاً واستجابة وتمكيناً لجميع الناس.
على مدار أكثر من عقدين، طورت إستونيا نظاماً صحيّاً رقميّاً متكاملاً يشكّل أفراد المجتمع محوره، موفراً أمام كلّ منهم إمكانية الوصول الفوري إلى بياناته الصحية الشخصية، ووصفاته الطبية الرقمية، وسجلّه الطبي الشامل؛ وذلك كلّه عبر نظام هوية رقمية آمن. كما استطاعت إستونيا رقمنة 99% من بياناتها الصحية، مُتيحةً أمام جميع المرضى إمكانية الحصول على سجلات صحية رقمية، وموفِّرةً لهم رعاية صحية سريعة ومتكاملة.
قوة النظام الصحّي الرقميّ
يمثِّل نجاح النظام الصحّي الرقمي مصدرَ فخر وطني في إستونيا، ونموذجاً عالمياً يمكن الاستناد عليه في دول الخليج التي تشهد نمواً سكانياً سريعاً، وازدياداً مطّرداً في الطلب على الرعاية الصحية عالية الجودة، وهذا ما يتطلب وضع حلول مبتكرة لإدارة الموارد الصحية بكفاءة وضمان رضا المرضى.
ومن أبرز نقاط القوة لهذا النظام الرقمي البنية المتينة والآمنة للسجلات الصحية الرقمية التي تتيح تبادل البيانات بشكل سَلِس بين مقدِّمي الرعاية الصحية والمرضى. كما يمكِّن النظام المرضى من الوصول إلى بياناتهم الصحية من أيّ مكان، وتتبُّع الزيارات الطبية، وحتى رصد من اطّلع على سجلاتهم من مقدِّمي الرعاية الصحية، وكلّ ذلك في الوقت الفعلي. تسهم هذه الشفافية في بناء الثقة بين المرضى ومقدِّمي الرعاية.
وفي حين ينسجم هذا النموذج مع تطلّعات دول الخليج الهادفة إلى تحديث أنظمتها الصحية، إذ أضحت فيها استقلالية المريض وثقته بالنظام الصحّي لدولته عناصرَ محورية لتطوير قطاع الرعاية الصحية؛ فإنه يقدِّم برهاناً قوياً على فاعليّة تبنّي النهج الرقمي الذي من شأنه أن يسهم في تقليل الأعباء الإدارية، وخفض تكاليف الرعاية الصحية، وتحسين النتائج الكليّة للمرضى.
99% من الوصفات الطبّية إلكترونيّاً
يُطبَّق في إستونيا نظام الوصفات الطبية الرقمية الذي يعزز الكفاءة والراحة لكل من المرضى ومقدِّمي الرعاية الصحية، حيث يتمّ إصدار أكثر من 99% من هذه الوصفات إلكترونيّاً، ما يسهِّل إدارتها، ويقلل من التعاملات الورقية والمعاملات الإدارية المعقدة، موفِّرة الوقت والجهد للمرضى والأطباء في آن معاً. ويمكن لهذا الحلّ أن يساعد الدول الخليجية على تخصيص الموارد الصحية بفاعلية أكبر، ويقلل بشكل كبير من أوقات الانتظار، ما يسهم في تحسين جودة الخدمة وكفاءة النظام الصحّي بشكل عام.
وبفضل تركيزه الكبير على أمن البيانات وحمايتها، يُعَدُّ النظام الصحّي الرقمي في إستونيا نموذجاً رائداً في تعزيز ثقة الجمهور، حيث تُستخدَم فيه تقنيات متقدمة لضمان نزاهة البيانات، مع الحفاظ على شفافية عالية. ويبرز الدور الحيوي لأمن البيانات في تعزيز الثقة بمنظومة الرعاية الصحية الرقمية، إذ تسهم التوقيعات الرقمية في توفير نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً.
وتستخدم إستونيا تقنية "البلوك تشين" في حماية البيانات الصحية؛ لضمان عدم وصولها إلى الأشخاص غير المصرح لهم والتهديدات السيبرانية. كما توفر منصة "إكس-رود"X-Road لتبادل البيانات الآمنة مثالاً عملياً على كيفية إدارة هذه البيانات بشكل مسؤول عبر خاصِّية التشفير؛ ليقتصر الوصول إليها على المستخدمين المخوَّلين فقط، فضلاً عن إتاحتها إمكانية متابعة المرضى لسجلاتهم الطبية ومعرفة من يطلع عليها، ما يعزز الخصوصية والأمان في قطاع الرعاية الصحية. ومن خلال تبنّي تقنيات مماثلة، يُمكن للدول الخليجية تطوير منهجيّات فعالة لحماية بيانات المرضى، ما يفضي إلى تعزيز الثقة في منظومة الرعاية الصحية الرقمية في المنطقة.
استثمار الذكاء الاصطناعي
يوظِّف النظام الصحّي الرقمي في إستونيا الذكاء الاصطناعي؛ لتعزيز دقة التشخيصات الطبية، وتحسين فاعليّة العلاجات، علاوةً على تحليل كميات ضخمة من البيانات الصحّية، موفِّراً دعماً كبيراً لمقدِّمي الرعاية الصحية فيما يتعلق باتخاذ قرارات سريعة ومدروسة، وتحديد الأنماط المرضية، والتنبؤ بالمخاطر الصحية. كما يساعد أيضاً على تطوير خطط رعاية مخصصة تتناسب مع احتياجات المرضى الفردية.
وتظهر الفوائد الكبيرة جليّة لنظام الرعاية الصحّية الإستوني من خلال تلقّيه نحو 2.3 مليون استفسار شهرياً من الأطباء والمرضى. ويُعَدُّ هذا النهج القائم على البيانات ذا أهمية خاصة للدول الخليجية كونها تسعى إلى تطبيق أعلى المعايير لإدارة صحة سكانها، إذ يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، والتحليلات الاستباقية؛ لمواكبة المنهجيات المتعلقة بالصحة، وتحديد الفئات السكانية المعرضة للمخاطر المرضية، ومعالجة التحديات الصحية بشكل استباقي، ما يسهم في تحسين نتائج خدمات الرعاية الصحية في المجتمعات التي تتسم بالتنوع والنمو.
وفي الوقت الذي تشكّل فيه رحلة إستونيا في ميدان الصحة الرقمية نموذجاً رائداً، فإنها تروي قصة نجاح حقيقي لدولة تصبُّ جُلَّ تركيزها على رفاهية مواطنيها وتبني ثقتهم بمنظومتها الصحية. أما فيما يتعلق بالدول الخليجية، فإن تبنّي هذه القيم لا يقتصر على تحسين تقديم الرعاية الصحية وحسب، بل يمكن أن يُحدث تحولاً حقيقياً في حياة الناس، ويعزز الثقة المتبادلة، ويشيد نظاماً صحّياً قوامُه الأمل والرأفة. وهكذا تقدم تجربة إستونيا دليلاً على أن بناء مستقبل صحّي تواصليّ بين الجميع يمكن تحقيقه عبر التركيز على الإنسان، وتسخير أحدث التقنيات لخدمته.
Photo: https://mma.prnewswire.com/media/2572080/Trade_Estonia.jpg
شارك هذا المقال